الكاتب : فهد أبو عميرة
مراجعة : محمد نعيم
السياسات المحاسبية ومفهومها وفوائدها
لكل مؤسسة اقتصادية أسلوبها الخاص الذي تعتمد عليه في صياغة بياناتها المالية والذي تحدده بحسب استراتيجياتها وأهدافها وطبيعة مجالها والسوق الذي تنافس فيه؛ مما يساعدها على اتخاذها للقرارات بطريقة مستنيرة ومدروسة، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على كل ما يتعلق بهذا الأمر فيما يُعرف باسم السياسات المحاسبية وكيف تؤثر على مختلف المؤسسات الاقتصادية؟
ما هي السياسات المحاسبية؟
تُعرف السياسات المحاسبية على أنها مجموعة من القواعد التوجيهية المكتوبة، تتبناها المؤسسة لإحكام عملية إعداد التقارير المالية الخاصة بها، حيث تعمل تلك السياسات على تحديد مجموعة من القواعد ومعايير تدقيق الحسابات بهدف قياس الوضع المالي للشركة.
وقد تكون السياسات المحاسبية تحفظية أو هجومية، ولكل نوع منهما طريقتها الخاصة التي تعتمد على كيفية تعامل المؤسسة مع إعداد التقارير المالية، والتي سنشرحها في السطور القادمة.
كما تتبع السياسات المحاسبية نظام المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS) أو المبادئ المحاسبية المقبولة عمومًا (GAAP).
لكن بصرف النظر عن نوع السياسة التي تفضلها كل شركة، فيجب على الفريق المالي في المؤسسة أن يفهم المبادئ التوجيهية المحددة ويلتزم بها بشكل كامل؛ لضمان قياس البيانات المالية بدقة وتمثيلها بشكل عادل.
ومن أمثلة السياسات المحاسبية نذكر ما يلي:
تقييم المخزون بالاختيار بين طريقة أول ما يدخل هو أول ما يخرج (FIFO) أو طريقة آخر من يدخل هو أول من يخرج (LIFO) أو طريقة المتوسط المرجح.
اختيار طريقة محددة في حساب الاستهلاك مثل طريقة الخط المستقيم أو الرصيد المتناقص أو وحدات الإنتاج.
تحديد الوقت المناسب والمعايير التي تلتزم بها الشركة للاعتراف بالإيرادات وبخاصة إذا كانت الشركة تعمل في الصناعات ذات المعاملات المعقدة.
اختيار المعايير التي تلتزم بها الإدارة المالية للشركة في تقدير وتسجيل قيمة الديون المعدومة.
أهمية السياسات المحاسبية
تلعب السياسات المحاسبية دورًا هامًا في النشاط الاقتصادي لأي مؤسسة، ليس على النطاق الداخلي للمؤسسة فحسب، ولكن للمستثمرين والحكومات أيضًا، وفيما يلي نوضح بعض جوانب أهمية السياسات المحاسبية لمختلف الجهات.
1- المراقبة الحكومية الشاملة
يجب على جميع الشركات أن تحدد سياستها المحاسبية وفقًا لأي من الأنظمة التي ذكرناها في هذا المقال سواء نظام GAAP أو IFRS مما يسمح للحكومات بأن تبقى على إطلاع دائم لكل ما يتعلق بالأداء المالي للشركات؛ لتتمكن من حماية مصالح المستثمرين في البلاد.
2- الحفاظ على إطار تنسيقي واحد
يساعد تحديد سياسة محاسبية للشركات أن تقوم كل مؤسسة باتباع شكل موحد عند إعداد مختلف أنواع بياناتها المالية؛ مما يحقق الاتساق في جميع مخرجات القسم المالي بالشركة ويساعد على تنظيم الإدارة المالية لها بشكل أفضل.
3- تعزيز ثقة المستثمرين
عندما يجد المستثمرون أن الشركة تلتزم بسياسة واحدة في عملياتها المحاسبية يشعر بثقة أكبر في التعامل مع تلك المؤسسة، كما يساعده ذلك الأمر في مقارنة البيانات المالية للمؤسسة خلال فترات زمنية متباينة أو مقارنتها مع غيرها من المؤسسات المنافسة بسهولة ويسر؛ ليتمكنوا من اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمار بشكل صحيح.
4- الحد من الأخطاء والمخاطر
يساعد الاعتماد على سياسات محاسبية موحدة في الشركة على زيادة دقة التقارير المالية، وذلك من خلال إيجاد إجراءات متسقة في تسجيل جميع أنواع المعاملات المالية؛ مما يؤدي إلى تقليل فرص الوقوع في الأخطاء المحاسبية أو وجود تناقضات بين الدفاتر المحاسبية وبعضها البعض، وبخاصة في المعاملات المالية الكبيرة والمعقدة التي يزداد فيها خطر النسيان أو ارتكاب الأخطاء بشكل يؤثر على نتائجها النهائية.
5- تسهيل عملية الامتثال للنظم واللوائح
يساعد وجود السياسات المحاسبية مختلف المؤسسات على الامتثال للوائح والنظم التي تضعها الجهات التنظيمية في كل دولة بشكل صحيح؛ مما يجنبها العقوبات والغرامات التي تترتب على مخالفة تلك الشركات للمعايير التي تحددها كل دولة للشركات التي تعمل داخل حدودها.
6- توضيح أدوار الموظفين بدقة
تلعب السياسات المحاسبية دورًا هامًا في توفير إرشادات واضحة حول كيفية تسجيل المعاملات المالية الخاصة بالشركة والطريقة المثلى للإفصاح عنها؛ مما يساعد الموظفين وبخاصة حديثي الانضمام إلى المؤسسة على فهم أدوارهم ومسؤولياتهم، ويؤثر في إعدادهم بشكل صحيح للمساهمة في جعل الإدارة المالية للشركة أكثر تنظيمًا؛ مما يصب في النهاية في مصلحة تعزيز الصحة المالية للمؤسسة.
كيفية تطبيق السياسات المحاسبية في الشركات
هناك العديد من القوائم المالية في الشركات التي يتم حسابها من خلال طرق أو صيغ حسابية محددة، وقد يكون هناك أكثر من طريقة حساب مختلفة لنفس القائمة المالية وجميعهم مقبولون، حينها ينبغي على الإدارة المالية للشركة أن تختار إحدى الطرق وذلك بناءً على السياسة المحاسبية التي تعتمدها في عملها، لكن على كل حال يجب أن تتوافق تلك الصيغ المحاسبية مع معايير GAAP أو IFRS بحسب ما تتبعه الشركة.
وعند تقييم أي شركة والنظر في قوائمها المالية ينبغي أن يتم الاطلاع على مبادئ المحاسبة الخاصة بها، فقد يكون التقرير المالي الذي قدمته لك الشركة تم صياغته بإتباع سياسة محاسبية هجومية، وقد تكون الشركة التي أعلنت عن تحقيقها عن مكاسب مالية متوسطة تتبع سياسة محاسبية تحفظية؛ لذلك يجب على المستثمر قبل اتخاذ أي قرار أو قراءة البيانات المالية لأي شركة أن يتعرف على السياسة المحاسبية التي تتبعها الشركة بدقة.
أمثلة على السياسات المحاسبية
تختلف نتائج حصيلة الأرباح للشركة الواحدة اعتمادًا على السياسة المحاسبية التي تعتمد عليها سواء كانت هجومية أو تحفظية، وفيما يلي نستعرض مثالًا تطبيقيًا عن السياسات المحاسبية التي تتبعها الشركات في حساب المخزون، حيث يمكن أن تعتمد الشركات على طريقة أول ما يدخل هو أول ما يخرج (FIFO) أو طريقة آخر من يدخل هو أول من يخرج (LIFO) أو طريقة المتوسط المرجح.
فإذا استخدمت الشركة طريقة FIFO، فإنها عندما تبيع السلع تقوم بتسجيل تكلفة المخزون الذي اشترته أولًا في دفاترها، لكن إذا كانت تعتمد على طريقة (LIFO) يتم احتساب تكلفة المخزون الذي شراؤه مؤخرًا كتكلفة للسلع المباعة.
أما إذا كانت الشركة تستخدم طريقة المتوسط المرجح، يتم احتساب متوسط التكلفة لجميع المخزون المتوفر لدى الشركة كتكلفة للبضائع المباعة.
وعندما ترتفع الأسعار في السوق تكون طريقة FIFO أفضل؛ لأنها تخفض من تكلفة البضائع المباعة وتزيد من الأرباح؛ لذلك يمكن اعتبار طريقة FIFO أكثر هجومية من LIFO في هذه الحالة.
على سبيل المثال:
إذا كان أحد الأشخاص يمتلك مصنعًا للأحذية، وكان سعر الحذاء يبلغ 50 ريالًا سعوديًا إذا قامت الشركة ببيعه بالتجزئة، وفي الشهر الماضي صنع 100 حذاء مقابل تكلفة 10 ريالات للحذاء الواحد وذلك حتى اليوم الـ 15 من الشهر، وصنع 100 حذاء آخر مقابل 20 ريالًا خلال آخر 15 يومًا من الشهر.
وفي النهاية، باع الشخص 30 حذاءً، حينها سيكون إجمالي المبيعات: 50 ريالًا × 30 حذاءً = 1500 ريال سعودي.
لكن كيف يتم احتساب تكلفة البضائع المباعة؟ إذا كانت الشركة تستخدم طريقة FIFO ستكون تكلفة البضائع: 10 ريالات × 30 حذاء = 300 ريال سعودي، أي أنه حقق صافي دخل يعادل 1200 ريال سعودي.
أما إذا كانت الشركة تستخدم طريقة LIFO، فستكون تكلفة البضائع المباعة: 20 ريال × 30 حذاء = 600 ريال، أي أن الشركة قد حققت 900 ريال سعودي.
وفي حالة استخدام طريقة المتوسط المرجح، ستكون التكلفة: (20 ريال + 10 ريالات) / 2 × 30 حذاءً = 450 ريال، وحينها سيكون صافي الدخل حوالي 1050 ريال سعودي.
الفرق بين السياسات المحاسبية والمبادئ المحاسبية
يخلط الكثيرون بين مفهوم مبادئ المحاسبة والسياسات المحاسبية ولا يعرفون الفرق بينهما، لكن ثمة اختلاف جوهري بين كلا الأمرين يجب أن ينتبه إليه العاملون في الإدارة المالية في المؤسسات ليتمكنوا من القيام بواجباتهم على الوجه الأكمل.
وكما أوضحنا مفهوم السياسات المحاسبية في بداية المقال، ينبغي أن نوضح معنى المبادئ المحاسبية بشكل بسيط، حيث يُقصد بمبادئ المحاسبة تلك المبادئ التوجيهية والإرشادية والقواعد الأساسية التي تحكم مجال المحاسبة، وتشكل تلك المبادئ الأساس النظري الذي تُبنى عليه ممارسات ومعايير المحاسبة، فهي عبارة عن مجموعة من المبادئ أتفق عليها العاملون في مجال المحاسبة؛ لتضمن الاتساق والموثوقية وسهولة المقارنة بين البيانات المالية المختلفة.
وعادة ما يتم تدوين تلك المبادئ في شكل نظم دولية معتمدة مثل نظام المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS) ونظام المبادئ المحاسبية المقبولة عمومًا (GAAP)، ونذكر من تلك المبادئ ما يلي:
مبدأ التكلفة التاريخية والمتعلق بتسجيل الأصول بسعر شرائها الأصلي.
مبدأ الاعتراف بالإيرادات وذلك عندما تكون قابلة للتحقق أو اكتسبتها المؤسسة.
مبدأ المطابقة حيث يجب أن تتناسب النفقات مع الإيرادات التي تساعد على توليدها.
مبدأ الإفصاح الكامل والمتعلق بضرورة أن تكشف البيانات المالية عن جميع المعلومات الضرورية للمستخدمين؛ لتساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة.
مبدأ المحافظة والذي يتم اتباعه عند الاختيار بين أمرين، حيث ينبغي اختيار الحل الذي لا يؤدي إلى المبالغة في تقدير الأصول والدخل.
أبرز الاختلافات بين المفهومين
بعد أن أوضحنا ما هي المبادئ المحاسبية؟ وما هي السياسات المحاسبية؟ حان الوقت للإشارة إلى أبرز الاختلافات بينهما، والتي سنوضحها بشيء من الإيجاز فيما يلي:
1ـ تعتبر المبادئ مجموعة من المفاهيم الأساسية واسعة النطاق، هدفها أن توجه ممارسات المحاسبة الشاملة، في حين تعتبر السياسات مجموعة من القواعد والإجراءات المحددة والمفصلة بدقة، تطورها الشركات لتتمكن من تطبيق المبادئ بشكل عملي.
2ـ تتسم المبادئ بأنها عالمية ومتسقة في مختلف القطاعات والبلدان التي تنفذها، أما السياسات فهي خاصة بكل شركة، بهدف أن تكون متوافقة بشكل خاص مع عملياتها وخياراتها الاستراتيجية.
3ـ كذلك هناك اختلاف في السلطة التي تتسم بها كل من المبادئ والسياسات، وذلك بحسب الجهة التي وضعت كلًا منهما، حيث يتم وضع المبادئ من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) أو مجلس معايير المحاسبة المالية (FASB)، أما السياسات فيختص بوضعها الإدارة المالية للشركة بناءً على المبادئ المحاسبية العامة التي تتبعها.
4ـ بالطبع، تعتبر السياسات المحاسبية أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع الوضع الراهن واحتياجات الشركة مقارنة بالمبادئ المحاسبية التي تتسم بالجمود.
الأسئلة الشائعة
1- كم عدد السياسات المحاسبية الموجودة؟
تحدد كل مؤسسة السياسات المحاسبية العامة التي تعتمد عليها في إدارتها المالية بحسب المبادئ المحاسبية التي تتبعها، لكن بشكل عام يمكن أن نقسم السياسات المحاسبية إلى نوعين وهما: سياسات هجومية أو تحفظية.
2- ما هي السياسة المحاسبية للمخزون؟
قد تعتمد السياسة المحاسبية للمخزون على طريقة أول ما يدخل هو أول ما يخرج (FIFO) أو طريقة آخر من يدخل هو أول من يخرج (LIFO) أو طريقة المتوسط المرجح.
3- هل الاستهلاك هو سياسة محاسبية؟
نعم، يعتبر الاستهلاك سياسة محاسبية توضح كيفية توزيع تكلفة الأصول المادية أو الملموسة مثل الآلات والسيارات وغيرها على مدى عمرها الافتراضي لحساب ما تم استهلاكه من تلك الأصول خلال فترة زمنية محددة بطرق دقيقة وواضحة.
ختامًا، تناولنا في هذا المقال أهم المفاهيم والمعلومات المتعلقة بحديد السياسات المحاسبية للشركات والفرق بينها وبين المبادئ المحاسبية، مع بيان ذلك من خلال مثال توضيحي ييسر عليك فهم الأمر، إذا نال الموضوع إعجابك لا تنسَ مشاركته مع زملائك المهتمين بمجال إدارة الأعمال المحاسبية. ويمكنك الاعتماد على برنامج محاسبة دفترة لمساعدتك في تنفيذ السياسة المحاسبية المناسبة لمشروعك التجاري.
متابعة وتنفيذ السياسة المحاسبية أسهل مع دفترة
برنامج دفترة يمكنك من تنفيذ السياسة المحاسبية المناسبة لمشروعك بكل سهولة